1 |
ينطلقُ صوتي، هذه المرة، من دمشقْ. |
ينطلقُ من بيت أُمّي وأبي. |
في الشام. تتغيَّرُ جغرافيّةُ جَسَدي. |
تُصْبح كُريَّاتُ دمي خضراءْ. |
وأبجديتي خضراءْ. |
في الشام. ينبتُ لفمي فمٌ جديدْ |
وينبُتُ لصوتي، صوتٌ جديدْ |
وتصبحُ أصابعي، |
قبيلةً من الأصابعْ. |
أعودُ إلى دمشقْ |
ممتطياً صَهْوَةَ سَحَابَهْ |
ممتطياً أجملَ حصانينِ في الدنيا |
حصانِ العِشْقْ. |
وحصانِ الشِعْرْ .. |
أعودُ بعد ستّينَ عاماً |
لأبحثَ عن حبل مشيمتي ، |
وعن الحلاق الدمشقيّ الذي خَتَنَنِي ، |
وعن القابلة التي رَمَتْني في طَسْتٍ تحت السريرْ |
وقبضتْ من أبي ليرةً ذهبيَّة |
وخرجت من بيتنا .. |
في ذلك اليوم من شهر آذار عام 1923 |
ويَدَاها مُلَطَّخَتانِ بدم القصيدَهْ .... |
3 |
من جهة (باب البريدْ). |
حاملاً معي ، |
عَشْرَةَ أطنانٍ من مكاتيبِ الهَوَى |
كنتُ قد أرسلتُها في القرن الأوّلِ للهُجْرَة |
ولكنها لم تصِلْ إلى عُنْوانِ الحبيبْ |
أو فَرَمَها مِقصُّ الرقيبْ .. |
لذلك.. قرَّرتُ أن أحمل بريدي على كتفي |
لعلَّ التي أحببتُها .. |
وهي تلميذةٌ في المدرسة الثانويَّة |
قبل خمسةَ عشرَ قرناً |
لا تزال ترسُبُ في امتحاناتها |
تضامناً مع ليلى العامريَّهْ |
ومريمَ المجدليَّهْ |
ورابعةَ العدويَّةْ |
وكلِّ المعذَّبات في الحبِّ .. في هذا العالم الثالثْ.
|
أو لعلَّ الرقيبَ الذي كان يغتالُ رسائلي |
قد نقلوهُ إلى مصلحة تسجيل السيَّارات |
أو أدخلوه إلى مدرسةٍ لمحْوِ الأميَّةْ |
أو تزوَّجَ ممَّنْ كانَ يقرأ لها رسائلي |
منتحلاً إسْمي.. |
وإمضائي .. |
وجُرْأةَ قصائدي .. |
4 |
أعودُ إلى الرَحِمِ الذي تشكّلتُ فيه.. |
وإلى المرأةِ الأولى التي علَّمَتْني |
جُغْرَافِيَّةَ الحُبّْ .. |
وجُغْرَافيّةَ النساءْ.. |
أعودُ.. |
بعدما تناثَرَتْ أجزائي في كل القاراتْ |
وتناثر سُعالي في كل الفنادق |
فبعد شراشفِ أمي المعطرة بصابون الغارْ |
لم أجد سريراً أنام عليه.. |
وبعدَ عَرُوسة الزيت والزعترْ .. |
التي كانت تلفُّها لي، |
لم تعدْ تُعجبني أيُّ عروسٍ في الدنيا.. |
وبَعْدَ مُربَّى السَفَرجَل الذي كانت تصنعه بيدَيْها |
لم أعدْ متحمساً لإفطار الصباحْ |
وبعد شراب التُوتِ الذي كانت تعصرُهُ |
لم يَعُدْ يُسْكِرُني أي نبيذْ ... |
5 |
أدخل صحنَ الجامع الأمويّْ |
أُسلِّمُ على كلِّ من فيهْ |
بَلاطةً .. بلاطهْ |
حمامةً .. حمامَهْ |
أتجولُ في بساتين الخطِّ الكُوفيّْ |
وأقطفُ أزهاراً جميلةً من كلام اللهْ ... |
وأسمعُ بعينيَّ صوتَ الفُسَيْفُسَاءْ .. |
وموسيقى مسابح العقيقْ .. |
تأخذني حالةٌ من التجلِّي والإنخِطَافْ ، |
فأصعدُ دَرَجاتِ أوَّلِ مئذنةٍ تُصادِفُني |
مُنَادياً: |
" حَيَّ على الياسمينْ ". |
"حيَّ على الياسمينْ ". |